*********************************
مقدمــــــــة بعـنــــــــوان:
لماذا القصة القصيرة جدا؟
مجـــدي
شـــلبي نموذجـــا
بقلم:
الكاتب والناقد دكتور/ السيد نجم
*********************************
رفض الصغير دخول باب المدرسة؛ جذبته أمه
بعنف؛ ألقت به في ساحة طابور الصباح، و انصرفت لعملها؛ صرخ بشدة و هلع، لكن صياح
مدير المدرسة في الميكرفون ابتلع صراخه:
ـ "اسمع يا كلب أنت و هو، مش عاوز صوت، اتكتموا
خالص، اثبت مكانك، لو ثعبان قرصك في الطابور؛ لا تتحرك...".
اقشعر جسده، و امتلأ قلبه رعباً؛ من تلك
الثعابين المحتملة التي ستهاجمه، و هو ممنوع من المقاومة أو الهرب!.
رغم حرارة الشمس؛ شعر بقشعريرة شديدة و رغبة
ملحة في الذهاب إلى الحمام.
استمرت الإذاعة المدرسية في بث برامجها
الإجبارية على مستمعيها من الأطفال، ثم جاءت حكمة اليوم بعنوان: (إذا كان الكلام من فضة
فالسكوت من ذهب)؛ أعقبتها نشرة الأخبار...
نظرات عينيه حملت رسالة استغاثة إلى السور
البعيد، أن يقترب منه و يحنى رأسه كي يصعد عليه، و يحمله إلى البيت، على طريقة أفلام
الكرتون التي يعشقها... لكن السور اللعين لم يستجب لاستغاثته؛ فقلبه قُد من حجر؛
رفع الصغير بصره برفقة العلم الذي يرتفع رويداً رويداً على الصارى؛ فسبح بعينيه في فضاء السماء الفسيح، ثم عاد مفزوعاً على صوت أجش قبيح يحيي العلم...
ـ "تلاميذ الصف الأول يطلعوا على الفصول بسرعة".
على أصوات قرع طبول حرب، انطلق الأطفال إلى فصولهم انطلاقاً عشوائياً، و هم يتنفسون الصعداء من طابور
العقاب بلا ذنب جنوه!.
غير أن صغيرنا ظل واقفاً مكانه كشجرة خائفة؛
بلل ساقها المرتجف تساقط عرقه و أشياء أخرى...
*********************************
تحركت الدجاجة الحائرة حركات عشوائية بحثاً عن مكان آمن تضع فيه
بيضها، ذلك البيض الذي تجمعه زوجة أبي بحرص و عناية؛ لترسلني به إلى محل الملابس
للمقايضة
ـ نحن نجوع و أنتِِ تبيعين البيض؟!
ـ "عش معرش و لا تعش مكرش" يا ولد
ملأني الغيظ و أنا أحمل البيض مكرهاً؛ تحول ما في بطني من عصفور
إلى وحش مسعور؛ فتناولت البيض نيئاً!.
لم تصدق أمي البديلة كذبي و ادعائي؛ و راحت تتحسس بطني؛ قائلة:
ـ هذا هو الطريق الذي وقع فيه البيض يا ملعون!.
ثم قامت من فورها بذبح الدجاجة؛ خشية افتراسها لي أو افتراسي لها!... و حملتها إلى محل الأقمشة لتقايض بها كفناً ضيقاً يظهر مفاتنها!.
في الصباح أحضر والدي ديكاً ضخماً؛ يمتعنا صياحه، لكنه من أسف لا
يبيض!.
*********************************
غرفة واحدة نسكنها، طعام واحد نأكله، و ثوب
واحد ألبسه طوال العام!.
في المدرسة كان مدرس الحساب يشير إلى عجائب
الرقم واحد؛ شعرت أنه يقصدني؛ فأطرقت بصرى و بكيت...
لم يمض كثير وقت؛ حتى ظهر اسمى رقم واحد في قائمة
الناجحين؛ فحمدت الله الواحد الأحد و سجدت له شكراً.
*********************************
أمضي في واحة العلم و المعرفة سنوات، و يوم حان
القطاف اختطف اللصوص الثمار؛ فألقى بحلمه في صحراء التوافه...
بسط بزاوية من زوايا
الدار رقعة من خشب الواحة؛ و تأهب لاستعادة نشر قواته المنهزمة:
ـ كِش ملك
كشر الملك عن
أنيابه، و ألقى القبض عليه بتهمة "العيب في الذات الملكية"...
و ما زال التحقيق معه
مستمراً!.
*********************************
(1)
امتدت يد إلى حافظة نقوده الفارغة؛ ظننتها يد
سارق؛ فصحت محذراً...
إلا أن المسروق همس في أذني:
ـ إنه رجل خير، يود أن يملأها.
(2)
فى موقف الباص لمحت الفقر و العوز يتجسدان في صورة كهل؛ مددت يدى لأملأ حافظة نقوده؛ فصرخ مستنجداً:
ـ إمسك حرامي!.
(3)
في مدرسة الإصلاح و التهذيب؛ وجدت (رجل الخير)
في عنبر تجارة المخدرات، ينتظر تنفيذ حكم الإعدام!.
*********************************
(1)
امتطى صهوة الجواد، و بعد أن اعتدل في جلسته؛
أصدر قراراً بإعدام جميع المشاة!.
(2)
سقط أرضاً؛ فاعتذر ـ بعد فوات الأوان!.
(3)
حملت الجياد السائر الوحيد إلى مثواه الأخير، غير مأسوف عليه!.
(4)
كُتب على شاهد القبر: هنا يرقد جثمان فخامة
الزعيم الذي قتل شعبه!.
*********************************
القلل
القناوى
وصل إلى أرض الوطن؛ غاص في أوحال الرشوة
الإجبارية، و قبل أن يحقق حلمه بإنشاء مصنع؛ انقطعت الكهرباء عدة ساعات...
اعتذر معالى الوزير عن الأعطال المتكررة، أرجعها إلى العجز عن تلبية الاستهلاك المتزايد!.
شعر المستثمر الوطني بمسؤوليته عن تزايد
الاستهلاك؛ فترك المعدات و الآلات يأكلها الصدأ؛ و أنشأ فاخورة لإنتاج القلل
و البلاليص!.
*********************************
علاقة
من طرف واحد
راقبته بنت الجيران من النافذة المقابلة، بعد
أن رفضته عريساً لها؛ أشفقت عليهـ و تمنت أن تعود في قرارهاـ بعد أن انطلقت من شقته
رائحة شياط الأرز، و رأت بأم عيونها قذارة ملابسه التي لم يجيد غسلها...
لكن ضباب إشفاقها عليه؛ أزالته من قلبها شموس
عشقه و افتتانه بغيرها...
فقد سحب على جسده النحيل أوراق صحيفتة
الصفراء؛ و راح يفكر في طريقة للالتقاء بجسد تلك الجنية التي تنام على صدره؛ أغمض
عينيه و راح يداعبها، يقبلها، و...
ثم قبضها بيده، كرمشها، و قذف بها مع أوراق
التواليت في صندوق قمامة.
*********************************
ضربة
استباقية
انتابت الوالدين حالة من الضحك الهستيرى، عندما أبلغهما ضابط الجوازات بالمطار، أن ابنهما الطفل الذي لم يتجاوز عامه
الثاني؛ ممنوع من السفر، بل زاد على ذلك وجود أمر باعتقاله!.
أصرا أن يرافقا طفلهما الوحيد إلى غرفة
التحقيق؛ ليتحققا من هذا الأمر العجيب...
ـ نما إلى علمنا أن هناك طفل في عمر ابنكما؛
له نفس الملامح، و الصفات، سيحاول عندما يصبح شاباً أن يقلب نظام الحكم؛ فأردنا
التصدى لتلك الجريمة قبل وقوعها...
*********************************
استيقظت الشمس و هو ما زال نائماً، هاتفته زميلته في العمل؛ فأجابها بتكاسل شديد:
ـ لا توجد مشكلة؛ أحد الزملاء كالمعتاد يوقع
لى...
انقطع الخط قبل أن تخبره باكتشاف المدير لهذا
الأمر.
في اليوم التالي عقد العزم على الزواج من
ابنة المدير؛ ليتسنى له النوم الهادىء، بعيداً عن الإزعاج المتكرر!.
*********************************
جرس الإنذار يدق بشدة، المزلقان ما زال مغلقاً، و المارة و السيارت في انتظار مرور القطار... توقفت المحركات و أصيبت حركة المرور
بالشلل التام، و نزل الركاب لاستطلاع الأمر...
انتشر الباعة الجائلون بشكل لافت يلبون طلبات
الزبائن:
ـ اشرب يا عطشان
ـ طعميه ساخنه و عيش نجف
ـ أوكازيونات: تشيرتات الواحد بعشرة جنيهات يا
بهوات؛ و لا استغلال المحلات
ـ مشويه على نار الحب يا بطاطا...
ـ هادى حماتك المفترية، سكاكين، ملاعق،
كوبايات
بعد ساعة بالتمام و الكمال؛ فُتح المزلقان، رغم عدم مرور القطار!
من بعيد شاهدت البائعين؛ يصافحون عامل
المزلقان المسرور بعطاياهم.
*********************************
(1)
انهمرت دموعه وسط شلال من عبارات الثناء، فاليوم حل موعد إحالته للتقاعد؛ صافحة المدير و أشاد به:
ـ لقد كنت بحق (حمار شغل)!
حمل نيشان الوصف على ظهره، و مضى إلى بيته
فخوراً به!
(2)
على مدى سنوات قطع الطريق الواصل بين بيته
و العمل ذهاباً و إياباً، أدرك الآن ألا ذهاب بعد اليوم؛ فحرص على مصافحة جميع
العمارات و الحوانيت و الأرصفة و الناس بعيونه الدامعة مصافحة وداع، شعر بدوار؛ أغمض
عينيه، و ما كاد يرتكن إلى إحدى السيارات الواقفة؛ حتى انطلقت صافرات الانذار؛
فقبضوا عليه بتهمة الاشتباه في سرقتها... و بعد أن تمت إهانته بشكل تام؛ اكتشفوا
براءته من هذا الاتهام!.
(3)
ـ حمدا لله على سلامتك يا (سبع البرمبة)!
بهذه العبارة ذات المعاني المقلوبة؛ استقبلته
زوجته زنوبة، استقبالها الحافل المعتاد، و زادت عليه سؤالاً استنكارياً:
ـ (ما جاب الغراب؟!)!...
(4)
في المقهى المجاور اعتاد الجلوس دون أنيس في ذات المكان؛ يحتسى مشروب الينسون، عله ينسيه ما به من أحزان و آلام... على مقربة
منه شاهد عشاق النرجيلة يدخنون، و تبدو عليهم مظاهر السعادة و الانسجام؛ تنفس بعمق؛
فانتقلت عدواهم إليه، و ما هي إلا لحظات؛ حتى كانت المقهى محاصرة بقوات مكافحة
المخدرات!.
(5)
قام مفزوعاً من نومه؛ عندما أيقظته أمه؛
للذهاب إلى مكتب العمل للبحث عن وظيفة؛ فحكى لها ما رآه من حلم، قبل أن يحمل على
ظهره شهاداته الدراسية، و سيرته الذاتية، مصراً على ركوب القطار الميرى!.
*********************************
رأى السعادة تكسو الوجوه دون سبب، وجهه
الوحيد الحزين في هذا الجمع الكبير؛ بصقوا
على صورته في المرآة، و راحوا يتهكمون:
ـ ما الذي يحزن هذا المجنون؟!
رثى حالهم بلغة غير مفهومة؛ تحولت ابتساماتهم
إلى قهقهة، و صمموا على قتله، ادعى أحدهم الحكمة:
ـ أيها السعداء لا ترتكبوا تلك الجريمة
الشنعاء، يكفى أن تعيدوه إلى أشباهه من المجانين التعساء.
فتحوا الباب، ألقوا به خارج مستشفى الأمراض
العقلية، ثم أغلقوه بإحكام؛ كي لا يستطيع اقتحام عالمهم السعيد مرة أخرى.
*********************************
(1)
انطلقت رائحة الشواء، كنت أراقب تلك السمكة
المستمسكة بالحياة، تمثلت نفسي مكانها؛ صرخت:
ـ أين إنسانيتك أيها الإنسان؟!
أحضروا عربة إسعاف بلاستيكية؛ وضعوها على باب
الفرن لنقلها إلى طاولة طعام؛ استعدادا لإجراء عمليات تجميل و تتبيل، بعد أن فارقت
الحياة!
(2)
بعيداً عن حالة الهولوكست اللعينة، ذات
الذكريات الأليمة؛ حاولت الدخول إلى علبة سردين؛ كدت أختنق؛ فرفعت عقيرتى
بالغناء: "إني أتنفس تحت الماء"...
واقع الأمر أنه ليس من ماء هناك، لكنه عرق
الأسماك التي تعرضت للاختناق و الهلاك!
(3)
تابعت باهتمام تحمس شبارة و بلطية لفكرة إنشاء
جمعية لحقوق السمك، ثم لم تلبثا أن وقعتا في صينية بالخضروات، قبل تحقيق الحلم، الذى بات مستحيلاً!.
*********************************
(1)
ألقى قصيدته الشهيرة، و عاد إلى مقعده نافشاً
ريشه، لم يكمل الناقد الكبير رؤيته فيها؛ حتى غادر الشاعر الندوة، بغير الحالة
التي دخل بها!.
(2)
في واحة أخرى راح يصدح؛ فلم يجد من يسمعه!
(3)
جمع زوجته و أولاده، لينشدهم شعره؛ فصاح طفله
الصغير بزهق:
ـ ما مقابل سماعي لترهاتك يا أبي؟!.
(4)
هداه تفكيره لإهدائهم بعض الحلوى؛ فمنحوه لقب
(شاعر البنبون) بلا منازع!.
*********************************
عض الجوع عقله؛ فتح الثلاجة...
تناول الكتاب بشهية؛ أصابته غصة
ابتلع ريقه بمرارة...
فالطعام الذي تقيأه منذ عام، هو الآن بين يديه...
مضافاً إليه بعض التوابل و البهارات!.
*********************************
رغم اضطهادهم لي؛ ما زلت أتعامل معهم، مرتدياً كمامة الحذر، و مصطحباً كلبي الأوفى من البشر، و كل ما أخشاه أن تظهر مواهبي المكنونة، و قدراتى
المهولة؛ فتثار حفيظتهم المجنونة، و يحاولون قتلي بطريقة غير معلومة...
أنام بعيون ذئب مرتاب، و كلبي يحرسني بالباب كخفير درك، و خشية
الوقوع في شرك الطعام المسموم؛ جعلته حيوان تجارب لطعامى و شرابى أياً ما يكون!...
عقب شعوري بالاطمئنان؛ تناولت الطعام... فإذا بطارق غريب؛
يصيح من قريب:
ـ كلبك مات...
وقع الخبر على بطني وقوع الصاعقة فأصابتها الآلام، و زاغ بصري الحديد، و توالى القيء الشديد، و جميع أعرض التسمم الغذائي الحاد...
أضاف الصائح:
ـ ... لقد دهسته سيارة مسرعة.
*********************************
انطلق بسيارته الفارهة نحو محطة الوقود
الفارغة؛ لم يجد بنزيناً فسقاها مياها غازية، أشعل سيجارته بأمان، فالمكان خالٍ بشكل تام من المواد القابلة للاشتعال!.
ومن محطة الوقود حيث تنتظر الوفود الوافدة
و السيارات الحاشدة دورها المأمول؛ أرسل رسالة عبر المحمول إلى أهله فى مدينة
الحامول؛ يطمئنهم عليه تمام الاطمئنان، و يطالبهم بالدعاء له في كل آن و أوان، أن
يعود إليهم سالماً قبل نهاية العام!.
فجاءه الرد من زوجته المصونة: زوجى الحبيب، سمعت من قريب أن أزمة بنزين 90 تم حلها عام 90، و أن أزمة بنزين 80 سيتم حلها عام
2080 بإذن الله رب العالمين!.
نظر إلى ساعته فوجد عقاربها تدور للخلف؛ فترك
سيارته على حالها، و عاد إلى بلدته راكباً حماراً أعرجاً؛ كان في طريقه لأحد
المطاعم الفاخرة!.
*********************************
(1)
جلس إلى مكتبه؛ ليعد مقاله اليومي، أظلمت
شاشة ذاكرته؛ خلع رأسه و عصرها بعنف؛ فسقطت من أنفه عبارات لزجة؛ جمعها في قرطاسه، و قذف بها إلى المطبعة...
(2)
في اليوم التالي لم تعد لديه مشكلة؛ فقد
انهمرت شلالات كتاباته (الرائعة) بفضل إصابته بانفلونزا حادة مبدعة!.
*********************************
(1)
عشقه لكرة القدم؛ أودى بعينه الشمال إلى
العدم...
انطلقت صفارة الحكم: ضربة جزاء؛ لم يستطع
بعين واحدة أن يحقق الهدف!
(2)
رأته فتاة في مرآة الحب؛ فوافقت على الزواج
منه، و فى ليلة العمر؛ اتضحت إصابته الكروية؛ فى موضع أشد حساسية من سابقة!
(3)
جلس على مقاعد المتفرجين؛ يشجع الخاسرين، ثم
يعود منتشياً إلى الدار، بنتيجة فريق شاركه العوار... و الخجل!.
*********************************
هربت من مؤسسة زواج فاشلة؛ إلى مؤسسة حياة
أفشل، امتدت نحوها الأيدي العابثة؛ فلم تمنعها، بل رفعت الحظر عنها و شجعتها...
جلست ذات مساء تستعيد ماضيها الذي كان؛ فتاة
حسناء تهافت عليها الرجال، و لم يفز بها إلا كهل ملك المال؛ فمكنه من الزواج بذات
الحسن و الجمال.
و يالها من ليلة عصيبة؛ تنهدت و هى تتذكر
محاولاته الفاشلة، رغم مساعداتها اليائسة، خلال ساعات اعتصرت فيها الألم و الحزن
و الإحباط...
و ها هي الآن تروي ظمأها من بحور العشق دون
معاناة، لكن هيهات أن يهدأ لها بال، أو يهنأ لها حال...
توقف عرض شريط الذكريات، على يد شاب مفتول
العضلات، جاء طالباً يدها فى الحلال؛ فلم تقبل...
و لم ترفض!.
*********************************
(1)
جلس على عتبة الدار، مغمض الحياء؛ لاستجداء
الزوار من كافة الأعمار و الأنحاء...
(2)
لم تكن (زوجته) فتكات تدرك أن (أبو شنبات
مبرومة) التي يقف عليها الفيل أبو زلومه، ستخزلها رجولته المزعومة، حتى بات لا
يستحي من العار؛ فاستعار لزوجته ما لا يُستعار!.
(3)
سمع تأوهات أشعرته بإحباط، عندما ولج شمشون
في سم الخياط، و ما هي إلا دقائق معدودات؛ حتى أُُعلن عن وفاتهما و هما في حالة
التحام!
(4)
رغم مرور سنوات؛ لا يزال أهالي الحي يتداولون
النكات؛ بشأن عملية الفصل بين القوات؛ التي أجراها عم مندور، باستخدام الساطور!.
*********************************
ما كاد المأذون يدعو الولي ليردد خلفه:
ـ قبلت زواجك من موكلتى البكر....
حتى رأت العروس ألا تبدأ حياتها الزوجية بكذب
و خداع و تضليل؛ فأعلنت في صراحة أنها ليست عذراء.
شعر الأب برغبة في الاختباء و الاختفاء عن
الأحياء؛ تحت الأرض، بعيداً عن وصمة عار انتهاك الشرف و العرض، ثم سقط مغشياً
عليه...
رغم سعى ابنته لإفاقته؛ إلا أن القدر حقق له
رغبته.
*********************************
كتب إليها
رسالة غرامية، و قبل أن يطوى صفحتها احترقت حروفها و أضحت رماداً؛ جمعه في إناء
زجاجي شفاف، و أسدل عليه ستار النسيان...
.
سألته ابنته
ذات السادسة عشرة عاماً؛ عن سر احتفاظه بهذا الوعاء اللغز!، قبل أن يكبر
حجم السؤال فيصير مقاس 45 بكعب؛ رفع وعاء الذكريات عالياً ثم قذف به من النافذة بقوة
الخوف و الفزع؛ فسقط على رأس شاب يتحرق شوقاً لرسالة من ابنته المراهقة!.
*********************************
في صباح ملبد بالغيوم؛ بادرته الشمس بدفئها
و جمالها:
ـ كيف حالك يا فؤاد؟
بحث ف ذاكرته عن اسمها دون جدوى، إنها جارته
التي أحبها، لكنها تزوجت منذ سنوات من غريمه العائد من دول الخليج!.
نطق بتلعثم وارتباك:
ـ كيف حالك يا... يا مدام؟!
شعر أن السماء لا تزال على حالها رغم سطوع
الشمس؛ فالسحب الكثيفة ليست بحال سحب صيف!.
*********************************
بعد شهور الحمل السعيد؛ وضعت زوجته طفلهما
الجديد؛ و راحا يفكران في اسم للوليد
الزوجة: تامر... اسم جميل
أخذته الغيرة الشديدة من إعجاب زوجته بأغنيات
تامر حسنى؛ فأصر على رفضه رفضاً باتاً!
اقترحت اسماً جديدا:
ـ محمود
كست وجهه سحب الغيظ و الضيق و الحنق؛ فهذا هو
اسم ابن عمها، الذي يراوده الشك في علاقة ما بينهما!.
غرق في بحور اوهامه، إلى الحد الذي حجب عن
عينيه الحقيقة، و شل تفكيره عن الاختيار؛ فتحول الحوار بينهما إلى ما يشبه الشجار!.
تكررت عروض الأسماء من جانبها، و تكرر الرفض
من جانبه، و لم يلتفتا إلى صراخ ابنهما الذي استمر لساعات؛ قبل أن يفارق الحياة!.
*********************************
لم تكن تعرف معنى للأسطح المستوية (الحادة
و المتقاطعة) إلا بعد أن لُفظت خارج عالمها المستدير...
عندئذ ارتطمت بسطح بارد، ارتعشت، صرخت؛
فابتسم الجميع من حولها و امتلأوا بالدفء!.
وجهها نحو السقف، لم تقو عينيها على رؤية شيء؛
تلقفتها الأيدي في لهفة و شوق؛ متسائلين:
ـ ولد؟... ولد؟
جاءت الإجابة بانكسار مع هز الرأس بإشارة نفي؛
فألقوها فى (الطشت)، و انصرفوا في صمت!.
*********************************
أفزعه من النوم، صياح بائع الصحف:
ـ إقرأ الحادثـة !... إقرأ
الحادثــة!
تناول الجريدة و همس بيأس و ضجـــر:
ـ يا فتاح يا عليـم... يا رزاق
يا كريـم!
في طريق عودتـه إلـى فراشـه
الوثيـر؛ مغمـض العينيـن؛ ليكمـل شـريط أحلامه الذي انقطع؛ ارتطم رأسه بقائم
السـرير فسـقط على الأرض...
اعتقد الجيران أنها مجرد إغماءة، حتى صدمتهم نظرة الطبيب المستسلمة لقضاء الله الذي نفذ...
في صباح اليوم التالي عـاد
بائع الصحف من جديد يروج لسلعته: إقـرأ الحادثة !… إقرأ الحادثة!.
*********************************
السبت
هدأ ضجيج السيارات المارة في الشارع، لكنه
الهدوء الذي يسبق عاصفة العراك الزوجي، و هى عاصفة صوتية، تنبعث كل مساء من شقة
جارنا الأستاذ سعيد...
أربعة أعوام مضت على استقبالي اليومى للبث
المباشر و الحي لتلك الإذاعة المحلية، و هي محطة متخصصة في فنون السباب المتبادل، بألفاظ ليست خادشة للحياء فقط؛ بل قاتلة له!.
الأحد
تشهد الأجواء حالة من عدم الاستقرار، و الفرصة
مهيأة لهبوب رياح محملة بالأتربة الانفعالية!.
الاثنين
حالة تصدع في طبقات العلاقة الزوجية؛ أدى إلى
زلزال جديد قوته 6 بمقياس ريختر...
الثلاثاء
ما زالت توابع زلزال أمس تؤثر على المنطقة
المحيطةـ و لكن بدرجة أقل خطورة من اليوم الماضي.
الأربعاء
يطرأ
تزايد في سرعة رياح الغضب؛ ينبئ بخطورة الصيد في الماء العكر!
الخميس
ظهور سحب كثيفة تحجب الرؤية العاقلة، و الفرصة
مهيأة لهطول الأمطار بغزارة!
الجمعة
سيول موحلة جرفت جثتيهما؛ و هما في حالة عناق!.
*********************************
استغرقت في عملها وقتاً أطول عن المعتاد؛ استبد بزوجها القلق، أبلغ
الشرطة، و نشر إعلاناً في جميع وسائل الإعلام...
في طريق عودتها إلى البيت؛ أخذتها الشفقة بتلك السيدة المفقودة؛
فتسرب الوقت من بين يديها، في رحلة البحث عنها، قبل أن تدرك أن مواصفات الإعلان، تنطبق عليها بالتمام و الكمال!.
*********************************
اصطف المصلون خلف الإمام؛ أصرت قدم جاري الملتصقة بقدمي، أن تدهسني من شدة الحرص على الالتحام، كلما سحبتها قليلاً إلى خط
التماس؛ لاحقها و داس بإصرار و حماس!.
ـ الله أكبر
لم أستطع الخشوع في صلاتي، حتى أضحيت لا أدري في أي ركعة نحن الآن؛ فأضحى ينكزني بكوعه، كلما أخطأت في الركوع أو السجود أو
القيام...
ما كاد الإمام يُسَلِم؛ حتى انتفضت متجهاً
نحو الجماعة الجديدة؛ لأعيد صلاتي التي أبطلها جار الهنا!.
*********************************
طرحت مقدمة البرنامج أسئلتها على المسئول
الكبير، ثم تطوعت بالإجابة نيابة عنه...
لم تفرغ المضيفة من الكلام إلا بعد انتهاء
وقت البرنامج؛ فقامت في عجالة بالاعتذار للضيف عن نفاد الوقت، و شكرته على تشريفه
مبني التلفزيون...
فأومأ الضيف برأسه إيماءة شكر، و لسان حاله
ينطق ( إذا كان الكلام من فضة؛ فالسكوت من ذهب )!.
*********************************
يُحكى أن حكاء القرية ما زال يقص على زوار قبره
المعروش بالورد و الريحان، ما كان من بطولات ثورة الشباب، بطريقة تأسر القلوب،
و تسلب الألباب!...
فكر البعض في فتح المقبرة؛ لكشف تلك الظاهرة
المحيرة؛ فمنعهم الشيخ بركات؛ من انتهاك حرمة الأموات.
أرادوا الاحتكام إلى حكيم الوحدة الصحية، الذي قرر إصابة جميع أهالي القرية بالهلاوس السمعية، و حولهم إلى مستشفى الأمراض
العقلية!.
*********************************
المحبطون
فى الأرض
ذبح الأمل بسكين يأسه، و سلم نفسه للمخفر:
ـ ما اسمك؟
ـ أحد بن أحد الناس، أو إن شئت؛ سمني أنت فكل
الأسماء سواء...
أخرج من درج المكتب قطعة نحاسية مدون بها رقم
13؛ وضعها على صدر بزته الزرقاء...
*********************************
اللغز
أثناء تشييع الجنازة؛ رفع المرحوم الغطاء عن
النعش؛ فرأى سيدة لا يعرفها تبكيه بحرارة شديدة؛ أرخى الغطاء عليه، و راح يفكر بصوت
غير مسموع:
ـ من تكون هذه السيدة؟!
وصل المنعوش إلى مثواه الأخير، قبل أن يهديه
التفكير لإجابة قاطعة...
و رغم مرور سنوات؛ على تحوله إلى رفات؛ ما زال
اللغز المحير قائماً!.
*********************************
ثقوب فى
الذاكرة
سقطت من ثقوب ذاكرته بياناته الأساسية؛ حاول
استعادتها دون جدوى، ارتمى في أحضان أقرب مقعد في مقهى، لتناول مشروب الينسون
بالحليب...
لكن تهتهاته للنادل لم تعبر عن المطلوب؛ أحضر
له كوباً من مشروب النعناع باللبان الدكر!.
قبل أن يبدى اعتراضه؛ كانت هناك يد حانية
تربت على كتفه، و تدعوه لمرافقتها إلى البيت.
*********************************
للخلف
در !
مضت سنوات على خروجه إلى الحياة بلا رأس؛
فكر الأهل و الأصدقاء؛ في طريقة لمعالجة هذا التشوه و النقص...
أحد الغرباء اقترح الالتجاء إلى زراعة
الأعضاء، أرادوا الاستفادة من فكرته الخطيرة برأسه الكبيرة، التى خلعوها على
ابنهم، و ثبتوها بلحام الذهب و القصدير.
بعد التثبيت بوقت قصير؛ اكتشفوا أن المذكور
يسير إلى الوراء ببراعة؛ فقد وضعوا الرأس عكس اتجاه عقارب الساعة!.
*********************************
في الشقة الملاصقة لشقتها دخل العروسان عش
الزوجية الجديد، بعد أن تملصا من دقات الدفوف، و تبريكات الأهل والأصدقاء؛ و أغلقا
الباب في وجه (المتاعيس)...
حاولت أن تتلاشى سماع أصواتهما، خشية أن
يعاودها كابوس الذكريات، فبعد وفاة زوجها
في ليلة زفافهما، مضت سنوات من عمرها، لم يقف قطار الزواج بمحطتها المشؤمة؛ فعاشت
تعاني الوحدة و الألم...
اتحدت غريزة الفضول مع كابوس الخشية؛ فاندفعت
نحو الباب الملاصق لباب شقتها، و راحت تدقه بعنف شديد!.
بهدوء يحسدان عليه؛ فتحا الباب ليجدا جارتهما العجوز؛ تنصح العروس بألا تسمح لعريسها بتناول أقراص المنشطات، التى أودت
بحياة زوجها الراحل!.
*********************************
العربة
الطائشة
المركبة تسير بسرعتها الجنونية، غير عابئة
بفزع الركاب و صراخهم، و السائق بين الفينة و الأخرى يرمقهم من خلال المرآة، مستشعراً
السعادة الغامرة، بتلك الفوضى العارمة التي انتابتهم؛ فقضت على وقارهمـ و جعلتهم
يترنحون كالسكارى يمنة و يسرة، و من خلف و من أمام...
ـ ياعم إذا كنت أنت برأسك في الدنيا؛ نحن
( وراءنا كوم لحم )...
هكذا صرخ أحدهم؛ فنظر آخر إلى مؤخرته؛ و هز
رأسه مؤيداً!...
اختلاط الحابل بالنابل جعل الآنسات و السيدات
يتأففن من هذا التخبط، الذي يرغب عنه بعضهن، و فيه بعضهن الآخر، و رجال يأتون بحركات
إضافية احتكاكية، و كأن تلك العربة الطائشة قد أصابتهم بعدوى الرعونة و الهمجية...
أمام إشارة المرور حاول السائق كبح جماحها
باستخدام الفرامل دون جدوى، لكن نفاد الوقود أجبرها على التوقف.
*********************************
علهم يخجلون
استقوى
جذعها الضعيف بجذع شجرة، شعرت ببعض الأمان؛ تناولت كسرة الخبز بملح مجروش، ثم نامت
و كأنها لم تنم من قبل...
امتلأ
صدرها بعوادم السيارات، و نقاشات السادة المسئولين في اجتماعاتهم الفاخرة حول
الطفولة البريئة!.
شعرت
باختناق؛ انتفضت من قرفصتها الذليلة، و كبشت حفنة من ملح، ألقتها في وجوه المارة؛
علهم يخجلون من أنفسهم...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على ظهر غلاف المجموعة القصصية
متى تعودين يا حُمرة الخجل؟!!
متى تعودين يا حُمرة الخجل؟!!
اختفت حمرة الخجل؛ يوم أن أُطلق على الطيبة:
عبط، و الصراحة: وقاحة، و الانتهازية: فهلوة، و السرقة: شطارة، و العري: جمال،
و الإباحية: تحضر، و التضليل: كياسة، و الخداع: فطنة، و الكذب: حسن تصرف، و التمويه:
سياسة...
فمتى تعودين ياحمرة الخجل؛ إلى الوجوه التي استباحت الحياء، و تخلصت من الإخلاص، و كرهت الحب، و خاصمت الوفاء، و قاطعت الود،
و ظلمت الحق، و خانت العهد، و سعت في الأرض فساداً و إفساداً؟!
مجدى
شلبى
المفارقة التصويرية في "حمرة خجل" للأديب مجدي شلبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رقم الإيداع بدار الكتب
2012/22079
ترقيم دولى
978-977-90-0210-1